ما عودتنا الحياة أنتتعاهدنا باللين والدلال وما كان من أخلاقها العطف والرقة ومع لحظات الضيق وساعاتالألم
وأوقات الانكسار التي لا تفتأ الحياة تهديها لنا يتباين البشر في طباعهموأساليبهم لمواجهة هذه المواقف ،
وتعامل الناس مع هذه المواقف ينقسمون إلى ثلاثةأصناف:
الصنفالأول:
فتجد بعضهم يدمن الشكوى ويمتهن اللوم ويتقمص دور الضحية عندالقاصي والداني ويتسول العطف من الجميع,
فبمجرد ما يُسأل عن حاله تجده ينظم القصائدالطوال في رثاء نفسه (جاوز فيها رثاء أبي ذؤيب لأولاده والخنساء لأخيها)،
كثيرالتسخط دائم العويل يستجلب لك كل أوجاع العالم ويصب عليك كميات لاحصر لها من الأسى
ولا تجده إلا متوجعا ناقما على الدنيا وكيف أنها هدّت أركانه وقصمت ظهره وعبثت بهكما يعبث الريح السموم بالوردة النضرة!
وحاله الآن كنجم هوى وقصر خوى, ينشر الكآبةأينما حل،
قد رسم للحياة (ماضيا ومستقبلا وحاضرا) أبشع اللوحات ونسي أن شكوى واحدةستتبعها ألف شكوى,
وخوفاً سيطلق ألف خوف معه، والمفارقة العجيبة أن هولاء بقدرنجاحهم في كسب عطف الآخرين
بقدر ما يفقدون شيئا ليس بالقليل من احترامهم وتقديرهم! والنتيجة المتوقعة هي انفضاض الناس من حولهم وزهدهم فيهم,
لأن الجلوس معهم استنزافللطاقة وهدر للوقت ومجلبة للكدر والضيق ناهيك عما يقومون به
من فضح لأنفسهم وتشهيربزلاتهم وهتك لأسرارهم.
والصنف الثاني:
هناك نمط آخر قد كلف نفسه ما لا تطيق، حمل همه وحده وبقي حبيسالغوائل الأيام وعاديات الليالي
لا صديقا يُشتكى له ولا صدرا حنونا يختبئ فيه ولاعقلا حكيما ينير له ما أظلم في طريقه،
قد كظم مشاعره ليحمل ثقله بنفسه حتى لا يكدرصفاء من حوله وعندها ستتراكم الهموم وتتكثف الأحزان
فتضحى كالرواسي الجاثمة علىصدره!
والصنفالثالث:
يتعامل مع الأزمات بحنكة وهدوء يمارس تقنية (الإفضاءالنفسي) أو (تنفيس العواطف) عند الحاجة
وعند تجاوز الحزام الطبيين وهي كما قررعلماء النفس وسيلة مثلى للتخلص من الكثير من الضغوط النفسية،
وقد أطلق الدكتور كارلمننجر أحد البارزين في علم النفس عليها
مصطلح (انطقها وتخلص منها) (Talk it out) وجعلها أحد أهم أدوات العلاج النفسي
وهي طريقة فعالة للسيطرة على القلق والتوقف عنأكل النفس وذلك بالجهر بالأفكار وتنفيس العواطف
والتخلص منها بطردها خارج الجهازالعصبي قبل أن يفور بخارها من الأذنين وقبل الوصول للنقطة الحرجة
التي سننفجر معهابمئات الأشكال المدمرة والكارثية، وللإفضاء النفسي صور متعددةمنها:
1-اللجوء للبكاء عندمايعصف الحزن.. فالبكاء يخفف الضغط النفسي الكبير
وكذلك يقوّى جهاز المناعة، ويساعدالجسم على مقاومة الأمراض المتعلقة بالضغوط النفسية...
2-ومن أروع طرق الفضفضة اللجوء إلى إنسان ثقة ذي حكمة ونظر وكاتمللسر تبث له الآلام والآمال
والاعترافات والتطلعات والأحلام طلبا وراء الإحساسبالمشاركة الوجدانية التي يشير لها
الشعار المتحضر (قلبي معك) تيمناً بقولالشاعر:
ولابد من شكوى إلى ذيمروءة
يسليك أو يواسيك أو يتوجع
ولأن كل منا يرى الموضوع من زاوية واحدة تصبحإحدى أهم فوائد الفضفضة للثقات
هي مشاركتهم لنا برؤاهم المختلفة وآرائهم المتعددةوقد فعل هذا قدوتنا وقرة أعيننا عندما اشتد عليه الأمر في الغار
فأباح بسره وأفضىبهمه لأمنا خديجة اللهم صلِّ وسلم عليه
وكذلك فعل مع أم سلمة رضي الله عنها فيالحديبية ويذكر عن القائد العجيب نابليون بونابرت الرجل والذي ساد أوربا وقد كانيلهو بتيجانها كما يلهو لاعب الشطرنج بالقطع قال ذات يوم عن نفسه: (إنه أضعف من أنيقدر على كتمان متاعبه وهمومه وأن يحتفظ بها وحده) وعليك الانتباه لقضية هامة وهيأنك عندما تشرع في إفراغ حمولة الألم عليك أن تتأكد من إفراغها كاملة والتخلص منهادفعة واحدة ثم بعد ذلك انس الأمر تماما!..
3- ومن الوسائل الجيدة للتنفيس عن المشاعر كما أكدت بعض الدراسات النفسية التعبير
عنالمشاعر السلبية بالكتابة وهو يخفف عنا الأحمال ويزيح الكثير من الهموم،
ويساعد علىاندمال الجراحات النفسية ويدفع شرور مرض الاكتئاب، ويجعلنا في حالة نفسية جيدة
تمكنمن التعامل مع مشكلاتنا بشكل أفضل..
4- ومنأروع الطرق وأعظمها أثرا وأضمنها نتيجة وأيسرها ممارسة تقنية (الإفضاء النفسي) معالعزيز العظيم
فقد جاء في الحديث أن الحبيب اللهم صلِّ وسلم عليه كان إذا حزبه أمرفزع للصلاة وفيها ينطرح تحت عتبة الرحيم،
يجأر إليه ويغبر جبهته على بابه شاكياإليه الهم وطالبا العون وبعده سيذهب الوجوم ويتشرد الأسف وتسكناللوعة .
و في نهاية المطاف أضع بين جنباتكم دعاء الهم و الحزن ليسهل عليكم حفظه
دعاء الهم والحزن
"اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ، ماضِ في حكمك ، عدل في قضاؤك ، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ، ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي"
"اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ، والعجز والكسل والبخل والجبن ، وضلعالدين وغلبة الرجال"