عيون عبلة
كَفْكِف دموعَكَ وانسحِبْ يا عنترَه
فعيونُ عبلةَ أصبحَتْ مُستعمَرَه
لا ترجُ بسمةَ ثغرِها يوماً، فقدْ
سقطَت من العِقدِ الثمينِ الجوهرَه
قبِّلْ سيوفَ الغاصبينَ.. ليصفَحوا
واخفِضْ جَنَاحَ "الخِزْيِ".. وارجُ المعذرَه
ولْتبتلع أبياتَ فخرِكَ صامتاً
فالشعرُ في عصرِ القنابلِ ثرثرَه
والسيفُ في وجهِ البنادقِ عاجزٌ
فقدَ الهُويّةَ والقُوى والسيطرَه
فاجمعْ مَفاخِرَكَ القديمةَ كلَّها
واجعلْ لها مِن قاعِ صدرِكَ مَقبرَه
وابعثْ لعبلةَ في العراقِ تأسُّفاً
وابعثْ لها في القدسِ قبلَ الغرغرَه
اكتبْ لها ما كنتَ تكتبُه لها
تحتَ الظلالِ، وفي الليالي المقمِرَه:
"يا دارَ عبلةَ" بالعراقِ "تكلّمي"
هل أصبحَتْ جنّاتُ بابلَ مُقفِرَه؟!
هل نَهْرُ عبلةَ تُستباحُ مِياهُهُ
وكلابُ أمريكا تُدنِّس كوثرَه؟!
يا فارسَ البيداءِ.. صِرتَ فريسةً
عبداً ذليلاً أسوداً ما أحقرَه!!
متطرِّفاً.. متخلِّفاً.. ومخالِفاً
نَسَبوا لكَ الإرهابَ.. صِرتَ مُعسكَرَه
عَبْسٌ.. تخلّت عنكَ.. هذا دأبُهم
حُمُرٌ -لَعمرُكَ- كلُّها مستنفِرَه
في الجاهليةِ.. كنتَ وحدكَ قادراً
أن تهزِمَ الجيشَ العظيمَ وتأسِرَه
لن تستطيعَ الآنَ وحدكَ قهرَهُ
فالزحفُ موجٌ.. والقنابلُ ممطرَه
وحصانُكَ العَرَبيُّ ضاعَ صهيلُهُ
بينَ الدويِّ.. وبينَ صرخةِ مُجبَرَه
"هلاّ سألتِ الخيلَ يا ابنةَ مالِكٍ"
كيفَ الصمودُ؟! وأينَ أينَ المقدِرَه؟!
هذا الحصانُ يرى المَدافعَ حولَهُ
متأهِّباتٍ.. والقذائفَ مُشهَرَه
"لو كانَ يدري ما المحاورةُ اشتكى"
ولَصاحَ في وجهِ القطيعِ وحذَّرَه
يا ويحَ عبسٍ.. أسلَمُوا أعداءَهم
مفتاحَ خيمتِهم، ومَدُّوا القنطرَه
فأتى العدوُّ مُسلَّحاً بشقاقِهم
ونفاقِهم، وأقام فيهم منبرَه
ذاقوا وَبَالَ ركوعِهم وخُنوعِهم
فالعيشُ مُرٌّ.. والهزائمُ مُنكَرَه
هذِي يدُ الأوطانِ تجزي أهلَها
مَن يقترفْ في حقّها شرّاً.. يَرَه
ضاعت عُبَيلةُ.. والنياقُ... ودارُها
لم يبقَ شيءٌ بَعدَها كي نخسرَه
فدَعوا ضميرَ العُربِ يرقد ساكناً
في قبرِهِ.. وادْعوا لهُ.. بالمغفرَه
عَجَزَ الكلامُ عن الكلامِ.. وريشتي
لم تُبقِ دمعاً أو دماً في المِحبرَه
وعيونُ عبلةَ لا تزالُ دموعُها
تترقَّبُ الجِسْرَ البعيدَ.. لِتَعبُرَه...
مطري يسافر في سحابك
مَطَرِي.. يُسَافِرُ في سَحَابِكْ
قَلْبي .. تَناثَرَ عِشْقُهُ .. في كُلِّ رَابِيَةٍ وَوَادْ
حَمَلَتْهُ رِيحُ العِشْقِ فَوْقَ سَحَائِبِ الأَشْوَاقِ
فَاخْضَرَّتْ بِوَابِلِهِ بِلادْ
حتى إذا ..
مَا طَارَ فَوْقَ مَدَائِنِ التَّارِيخِ
أَسْقَطَ دَمْعَةً شَرْقِيَّةً
وَأَنَاخَ رَاحِلَةَ المِدَادْ
وَأَشَارَ نَحْوَ تُرَابِهَا المَعشُوقِ..يَهْتِفُ بِاسْمِهَا
وَيقُولُ: قِفْ يَا شِعرُ ..
واسْجُدْ هَا هُنَا ..
قَبِّلْ تُرَابَ حَبِيبتي ... بَغدادْ
* * * * *
بَغدادُ .. إني ..
رَغْمَ بُعْدِي - يَا قَرِيبةُ - عَنْ رِحَابِكْ
وَبِرَغْمِ أَني لَسْتُ نَبْتاً..قد تَهَدْهَدَ في تُرابِكْ
وَبِرَغْمِ أنّ هُوِيَّتي حَمَلَتْ هَوَى الأهرامِ .. .. مِصْرَ ..
ولم أَطَأْ يوماً ثَرَاكِ .. ولم أَصِلْ يوماً لِبابِكْ
وَبِرَغْمِ ..
.. كُلِّ الرَّغْمِ ..
إلاَّ أَنني ..
قَدْ عِشْتُ حُزنَكِ كُلَّهُ ..
وَقَضَيْتُ عُمْرِي في مُصَابِكْ
جُرْحِي وَجُرْحُكِ وَاحِدٌ ..
مَطَرِي ..
يُسَافِرُ في سَحَابِكْ
* * * * *
بَغدادُ يَا نَزْفَ العُرُوبَةِ ..
يَا فُرَاتَ الحُزْنِ ..
يَا جُرْحَ السَّمَاءْ
يَا دَمْعَةً قَدْ أَغْرَقَتْ جَفْنَ الوُجُودِ ..
وَأَبْحَرَتْ في مَوْجِهَا .. سُفُنُ البُكَاءْ
يَا صَرْخَةً شَقَّتْ عَبَاءَاتِ الرَّجَاءْ
يَا طِفْلةً رَسَمَتْ بَرَاءَتَهَا ..
عَلَى جُدْرَانِ وَاقِعِنَا ..
بِأَلْوَانِ الدِّمَاءْ
أَنتِ التي ..
حَمَلَتْ عَلَى أَهْدَابِ عَينَيها ..
حَدَائِقَ بَابِلٍ
وَاسْتَوْدَعَتْ مَا بَيْنَ جَفْنَيهَا ..
مَآسِيَ كَرْبِلاءْ
مَا زِلْتِ يَا بَغدادُ ..
قَافِيَتي التي تَغْفُو عَلَى صَدْرِي
وَتَمْسَحُ غُرْبَتي
وَتُذِيبُ لَيْلِي في نَهَارِ عُيُونِهَا
فَتَسِيلُ مِنْ حَرْفِي نُبُوءَاتُ الضِّياءْ
مَا زِلْتِ يا بغدادُ .. جَيْشَ مَشَاعِري
مَا زِلْتِ بَيْنَ كَتَائِبِ الإِحْسَاسِ ..
حَامِلَةَ اللِّوَاءْ
مَا زِلْتِ عَاصِمَةَ الخِلافَةِ في دَمِي
حتى وإنْ هَجَمَ التَّتَارُ ..
وَأَحْرَقُوا ثَوْبَ السَّلامِ ..
وَأَغْرَقُوا شَرْعَ الكُتُبْ
وَأَتَاكِ "هُولاكُو" ..
لِيَحْفُرَ في تُرَابِكِ .. بَاحِثاً ..
عَنْ كَنْزِكِ المخبُوءِ .. في بِئْرِ الذَّهَبْ
وَتَجَمَّعَ الكُهَّانُ حَوْلَ البِئْرِ حتى يُغْرِقُوكِ ..
وَيَأْخُذُوا مِنْكِ القَمِيصَ ..
وَيَرْجِعُوا لِشُعُوبِهِمْ بِدَمٍ كَذِبْ
وَاسْتَيقَظَ التاريخُ يَهْذِي .. مِثْلَ مَحْمُومٍ ..
وَيَسْألُ: مَا السَّبَبْ ؟!
هَلْ مَزَّقُوا مِنْ صَفْحَةِ التاريخِ أيَّامَ العَرَبْ؟!
هَلْ نَامَ جَيْشُ "ابْنِ الوَلِيدِ" عَلَى الثُّغُورِ ..
لِيَحْلُمُوا بالنَّصْر ِ ..
حتى قامَ يَجْنِي الحُلْمَ جَيْشُ "أبي لَهَبْ"؟!
* * * * *
يَااااااااااا لَيْتَ شِعْرِي في يَدَيَّ ..
رَصَاصَةٌ عَرَبِيَّةٌ
أَرْمِي بِهَا .. مِنْ فُُوهَةِ القَلْبِ المُصَوَّبِ..
نَحْوَ هذا المُغْتَصِبْ
لَكِنَّني ..
مَا كُنْتُ إلا .. شَاعِراً
مَا في يَدِي إلا ذَخِيرَةُ أَحْرُفي المَلأَى ..
بِأَلْغَامِ "الأَدَبْ" ..!
قَلَمِي .. أُعَبِّئُهُ بِحِبْرِ عُرُوبَتِي
فَيَرَاكِ بَاكِيةَ العُيُونِ عَلَى قُبُورِ الأُمْنِيَاتِ
فَيَرْجُفُ القَلَمُ الغَيُورُ بِرَاحَتِي
وَيَظَلُّ يَقْذِفُ بِالقَوَافي الحارقاتِ
يَقُولُ: لا تَسْتَسْلِمِي يَا حُرَّةَ العَيْنَينِ
يَا مَنْ عَلَّمَتْ أَشْجَارَها ..
وتُرَابَها .. وبُيُوتَها .. وفُراتَها ..
.. لُغةَ الغَضَبْ ..
لا تَيْأَسِي إنْ جَفَّتْ الأغصانُ وَقْتَ خَريفِها
فالجِذْرُ في الأَعمِاقِ يَحمِلُ بَيْنَ كَفَّيْهِ الرَّبِيعَ
.. هديةً لَكِ ..
وَالسَّوَاقِي .. لا تَزالُ مَليئةً بالحُلْمِ
وَالشَّمْسُ العَنِيدَةُ لم تَغِبْ
فاسْتَبْشِرِي يَا زَهْرَةَ التَّارِيخِ
وَلْتَتَزَيَّنِي .. بِقَلائِدِ النُّورِ المُزَغْرِدِ
وَالْبَسِي الثَّوبَ المُطرَّزَ بِابتِسَامَاتِ الشُّمُوسْ
فالنَّصْرُ ..
فَارِسُكِ الوَسِيمُ
أَتَاكِ فَوْقَ حِصَانهِ ..
وَعَلَى يَدَيْهِ الفَرْحَةُ البَيْضَاءُ ..
صُبَّتْ في كُؤوسْ
فَلْتَشْرَبِي نَخْبَ السَّعَادَةِ مِنْ يَدَيْهِ ..
وَأَعْلِنِي الأفْرَاحَ في عَيْنَيْكِ ..
أَيَّتُهَا العَرُوسْ
وَلْتَبْسُطِي كَفَّيْكِ نَحوَ الحُلْمِ ..
فَالأحْلامُ تَحتَاجُ العِنَاقْ
وَدَعِي فُرَاتَكِ ..
كَي يُقَبِّلَ كُلِّ حَبَّاتِ التُّرَابِ
فَتَرْتَوِي رَحِمُ الحُقُولِ ..
وَتُنْجِبُ الأيامُ .. أزهارَ التَّوَحُّدِ وَالوِفَاقْ
وَغَداً..
سَيَسْبَحُ في حُروفِ النُّورِ صَوتُكِ..
شَادِياً:
يَا لَيلُ.. قَدْ جَاءَ النَّهَارُ
وَفَازَ خَيلِي بِالسَّبَاقْ
يَا شَعْبُ..
قُمْ واهْتِفْ
وَجَدِّدْ بَيْعَةَ العِشْقِ القَدِيمةَ
ثُمَّ رَدِّدْ نَصَّ مِيثَاقِ المحَبَّةِ
قُلْ مَعِي:
(( الحُلْمُ بَاقْ ..
والنَّبْعُ فَاضَ بِالاِشْتِيَاقْ ..
وَدَمُ العُرُوبَةِ واحدٌ ..
واللهُ أكبرُ يَا عِرَاقْ
اللهُ أكبرُ ........
......... يَا عِرَاقْ ))
* * * * *
البيت الاخير
قَالُوا:
نَزَفْتَ الشِّعْرَ مِنْ جُرْحِ العُرُوبَةِ..
وَامْتَشَقْتَ السَّيْفَ في وَجْهِ السِّيَاسَهْ
أَشْعَلْتَ بِالأَشْعَارِ أَفْئِدَةً.. تَجَمَّدَ نَبْضُهَا
وَأَذَبْتَ ثَلْجَ الخَوْفِ..
فَاسْتَعَرَتْ بِحَرْفِكَ أُمَّةٌ..
وَحَشَوْتَ بِالْبَارُودِ دِيوَانَ الحَمَاسَهْ
أَجْرَيْتَ بَحْرَ الشِّعْرِ.. دَمْعًا حَارِقًا..
أَفْرَغْتَ كَأْسَكَ كُلَّهَا.. وَمَلأْتَ كَاسَهْ
قَدْ عِشْتَ..
تَذْبَحُ كُلَّ قَافِيَةٍ لَدَيْكَ..
لِتُطْعِمَ الجَوْعَى قَصِيدًا نَاضِجًا مِنْ حَرِّ نَبْضِكَ..
ثُمَّ تَفْجُرُ أَلْفَ يَنْبُوعٍ طَهُورٍ..
عَلَّهُمْ..
يَتَبَرَّؤُونَ مِنَ الدَّنَاسَهْ
قَدْ عِشْتَ..
لِلقُدْسِ الجَمِيلَةِ عَاشِقًا..
وَنَظَرْتَ في مِرْآتِهَا.. فَإِذا بِهَا..
عَكَسَتْ عَلَى جُدْرَانِ شِعْرِكَ..
كُلَّ أَلْوَانِ القَدَاسَهْ
لَكِنْ..
نَرَاكَ..
أَضَعْتَ عُمْرَكَ كُلَّهُ بَيْنَ السُّطُورْ
أَنْفَقْتَ أَغْلَى مَا لَدَيْكَ مِنَ اللَّيَالي..
سَاهِرًا بَيْنَ القَصَائِدِ..
تَغْمِسُ الأَشْعَارَ في دَمِكَ الطَّهُورْ
فَتَعُبُّ أَحْرُفُكَ الظَّمِيئَةُ مِنْ دِمَاكَ..
وَأَنْتَ رَغْمَ النَّزْفِ..
تَشْدُو في سُرُورْ!
مَا ذُقْتَ مِنْ شَهْدِ الحَيَاةِ..
سِوَى مَرَارَاتِ القُشُورْ
فَارْفُقْ بِرُوحِكَ يا فَتَى..
وَاتْرُكْ دَفَاتِرَكَ المَلِيئَةَ بِالحَرَائِقِ..
ثُمَّ أَدْرِكْ مَا تَبَقَّى فِيكَ مِنْ عُمرٍ قَصِيرْ
عِشْ مَرَةً..
دُونَ الدَّفَاتِرِ..
وَالمَشَاعِرِ..
وَالقَوَافي وَالبُحُورْ
***
فَأَجَبْتُهُمْ:
يَا قَوْمِ..
إِنِّي شَاعِرٌ..
لا أَسْتَطِيعُ العَيْشَ في ظُلَمِ القُبُورْ
أَنَا شَاعِرٌ..
تَسْرِي بِأَوْرِدَتي شُمُوسُ قَصَائِدِي فَيَشِعُّ في جَنْبَيَّ نُورْ
لا تَطْلُبُوا مِنِّي حَيَاةً مِثْلَ طَعْمِ المَوْتِ..
لا أَرْضَى بِهَا..
هَلْ تَسْتَطِيعُ العَيْشَ في الجُحْرِ النُّسُورْ؟!
أَنَا شَاعِرٌ..
قَلَمِي يَطِيرُ عَلَى رُبى الأَحْلامِ..
يَغْمُرُهَا بِوَاقِعِهِ.. فَيَصْحُو في حَنَايَاهَا الضَّمِيرْ
قَدْ عِشْتُ لِلْوَطَنِ المُكَبَّلِ بَيْنَ أَنْيَابِ القُيُودِ..
وَخَلْفَ أَسْلاكِ المَصِيرْ
جُرْحُ العُرُوبَةِ..
شَقَّ صَدْرَ قَصَائِدِي..
فَتَأَوَّهَتْ كُلُّ الحُرُوفِ..
وَأَقْسَمَتْ..
أَنْ تَحْمِلَ الهَمَّ المُقِيمَ بِأَعْيُنِ الضُّعَفَاءِ..
في وَطَنِي الكَسِيرْ
وَتُزِيلَ أَسْتَارَ الغِشَاوَةِ..
كَيْ تَرَى عَيْنُ الحَقِيقَةِ وَجْهَ فَارِسِهَا الأَسِيرْ
وَتُعِيدَ لِلأَرْضِ الحَزِينَةِ..
بَسْمَةً خَضْرَاءَ..
تَأبى أنْ تَبُورْ
***
مَاذا سَيَبْقَى فِيَّ مِنْ لَوْنِ العُرُوبَةِ يَا قَصَائِدُ..
بَعْدَ أَنْ أَغْتَالَ أَوْرَاقَ النِّضَالِ..
وَأُسْكِتَ القَلَمَ الغَيُورْ؟
يَا هَؤُلاءِ..
أَنَا هُنَا مِنْ أَجْلِكُمْ..
سَأَظَلُّ أَنْزِفُ لِلصَّغِيرِ وَلِلْكَبِيرْ
وَلِئِنْ حُرِمْتُ هَوَاءَ بَوْحَي مُرْغَمًا..
فَلَسَوْفَ تَكْتَمِلُ القَصِيدَةُ في الوَرِيدِ..
وَحِينَهَا..
سَتَكُونُ آخِرُ زَفْرَةٍ أُلْقِي بِهَا
- قَبْلَ الشَّهَادَةِ -
زَفْرَةَ البَيْتِ الأَخِيرْ..
...
...
...
لا....... يا شاعر
قلتُ لها:
يا قدسُ أنا شاعرُكِ الثائرُ
جئتُ لأرفعَ عنكِ الضُّرّْ
جئتُ بقافيةٍ حمراءَ
وألفِ قذيفةِ شِعرْ
قَيْدُكِ..
سيُحَطِّمُهُ "قََولي"
ويُبيدُ أباطرةَ الشرّْ
فأنا.. حُرّْ
لا تبتئِسي
إنَّ "الشعرَ" سيُرجِعُ أرضَكِ.. مهما طالَ العُمرْ
****
سمعَتْ قَولي
نظرَتْ نحوي
بعيونٍ فاضَت بالمُرِّ وقالتْ:
ليتكَ حُرّْ
ليتكَ تملكُ أَخْذَ قرارِكْ
ليتكَ تصنعُ..
قُنبلةَ الثأْرِ المرجوَّةَ.. مِن أشعارِكْ
لا يا شاعرُ
إنَّ كلامَكَ.. محضُ كلامْ
ظاهِرُهُ نصْرٌ وإباءٌ
لكنْ باطِنُهُ استسلامْ
طاااااااااااااالَ لسانُكَ
حتى أصبحَ أطوَلَ مِن يدكَ الممدودةِ نحوي
كيف سألمَسُ هذي الأيدي وهْي بعيدَهْ؟!
كيف ستنصرُني أشعارُكَ..
إنْ كانت أقصى أحلامِكَ..
أنْ تُودِعها صدْرَ جريدَهْ؟!
أن تفتخرَ.. بأنك.. قُلتَ قصيدَهْ؟!
أن تُلْقِيَها بين جموعِ الناس بزهوٍ.. في الحفلاتْ
كي تسمعَ تصفيقَ السادةِ والـ...
أمواتْ
كي تأخذَ... ثمنَ الكلمات!
****
لا يا شاعر
مزِّقْ دفترَكَ الوَرْديَّ
وحطِّمْ هذا القلمَ الحالِمْ
واخلعْ نظّارةَ أشعارِكَ
وانهضْ من مقعدِكَ الناعِمْ
قُمْ أنقِذْني
واحفُرْ أشعارَكَ بالسيفِ على وجْهِ الظالِمْ
دَوِّنْ.. فوقَ ترابِ الأرضِ..
قصائدَ حُبِّكَ.. لأصدِّقَها
قُلْ ما شئتَ من الكلماتِ.. ولكنْ
خُذْ حنجرةَ صلاحِ الدينِ لكي تنطقَها
فلقدْ كانَ يقولُ.. فيفعَلْ
ليتَكَ تفعلْ!
اكتُمْ صوتَ المُغتصِبين لأسمعَ صَوْتَكْ
أنتَ.. تَزيدُ.. بشِعْرِكَ.. صَمْتَكْ
اهبِطْ.. من علياءِ خيالِكَ
نحوَ الأرضْ
فأنا... دمعُ الأرضْ
****
اترُكْ هذا الفرسَ الأبيضَ
فهْوَ دُخَانٌ
واركبْ "بغلةَ" عُمَرَ الفارسِ
عَلَّكَ.. تحظى "بمفاتيحِ" النصرِ
لتفتحَ... قلبي
لن تُفتَحَ أبوابُ الأقصى
إلاّ للفاروقِ ونَسْلِهْ
كُنْ مِن نَسْلِهْ
رَقِّعْ ثوبَكَ مِثْلَهْ
اصنعْ مجدَكَ مِثْلَهْ
ادخُل بيتيَ... مِثْلَهْ
كي تحتضنَ الأقصى بين يدَيكْ
كي أقرأَ أشعارَ الدنيا... في عينَيكْ
حين تموتُ شهيداً... فوق ذراعي
ودموعي تغسل خدَّيكْ
ساعتها..
لن تكتبَ شِعراً
بل سأكونُ أنا خنساااااااااااءَكْ
لن أكتبَ يا صَخْرُ رِثااااااااااءَكْ
لن أبكيَكَ... لأنكَ
حين تموتُ...
تعيش..
*****
<<<< النخيل>>>>
***
لأني تربَّيتُ بينَ النخيلْ
تعلّمتُ منه العطاءَ
وَصبْرَ الزمانِ الجميلْ
تعلّمتُ منه احتمالَ الأذى والإساءةِ
حينَ أَرى الناسَ يَستَبِقُُونَ..
ويَرمُونَ أحجارَهمْ صَوْبَ قلبي..
لأُمطرَهم بالثمارِ..
فأضحكُ..
رغمَ الجروح التي تستبيحُ حصوني..
وتَسْلُبُني كَنْزِيَ المستحيلْ
وأَنثرُ فوقَهمُ الأُمنيَاتِ.. بغيرِ حِسَابٍ..
لكي يأكلوا..
ويَقَرُّوا عُيوناً..
وكي يَعلَموا أنني..
لستُ ذاكَ النخيلَ البخيلْ
***
لأني..
تربيتُ بين النخيلْ
أراني شبيهاً بِهِ
حين أُبْصِرُ وجهي على صفحةِ الماءِ في حَقْلِنا
فأرى سُمرةَ الجِذْعِ في لونِ وجهي
وحين يَذوقُ الوَرَى طَعْمَ تَمْراتِهِ في حَدِيثي إذا قلتُ شِعراً
وحين أرى طُولَ جسمي النحيلْ..
أراني.. شبيهاً بهذا النخيلْ
***
لأني تربيتُ..
بين النخيلْ
تعلّمتُ منه الكثيرَ الكثيرَ الكثير
وحين اطّلعتُ على بَعضِ أسرارِهِ
تأكّدتُ أني -إلى الآنَ- لم أحظَ مما لديهِ..
سوى بالقليلِ القليلِ القليلْ
***
تعلمتُ..
مِن فلسفاتِ النخيلِ..
مواجهةَ الريحِ مهما عتَتْ
ومهما بحُزْنٍ وكَرْبٍ.. أتَتْ
فلا ضيرَ أنْ أتمايلَ حيناً
ولكنْ..
تَظَلُّ جُذورُ العزيمةِ فيَّ
تُعانق أرضَ البقاءِ التي أنبتَتْني
فتربو وتهتزُّ فخراً.. بما أنبتَتْ
***
تعلمتُ..
من فلسفاتِ النخيلِ..
فنونَ الصمودِ.. الشموخِ.. التحدّي..
وبعضَ الجنونْ
تعلُّمتُ.. "فِقْهَ الحمايةِ"
حين يَلوذُ بِيَ اللائذونْ
فأنشُرُ سَقْفَ جَريدي عليهم
لأحجُبَ شمسَ المواجعِ عنهم
فيأتَنِسُونَ بظلٍّ.. ظَليلْ
***
وبَعْدَ امتلاءِ البطونِ.. بِشَهدِ الرؤى الصافيهْ
وبعد احتضانِ العيونِ.. لأحلامِها الغافيهْ
أعودُ نخيلاً.. ولكنْ
بلا أُمنيَاتٍ.. بلا قافيهْ
فيأتي الخريفُ..
بِعُرْجُونِ حُزْنٍ قديمٍ
يُعَلِّقُهُ بينَ عيني.. وعيني
فأحيا حياةَ المَوَاتِ
وتشتاقُ ذاتي... لذاتي
وأبكي بغيرِ دموعٍ
وأجمعُ فيَّ رُفَاتي
وأصرخُ.. دون صُراخٍ:
أَعيدوا إليَّ حياتي..
***
وأنظرُ في ساعتي
في انتظارِ احتضارِ الخريفِ
لأُولَدَ مِن مَوتِهِ مِن جَديدْ
ويأتي ربيعُ القوافي..
بِطَلْعٍ نضيدْ
فتُثمِرُ فيَّ الحياةُ كطفلٍ وليدْ
وأرجعُ نخلاً فتياً سخيّا
ويمتلئُ القلبُ تَمْراً جَنِيّا
فتَسقُطُ واحدةٌ...
فوقَ رأسِ الصبيِّ الذي يُمسِكُ الفأسَ في الحقلِ
ينظرُ نحوَ السماءِ
وحينَ يرى التمرَ مِلءَ عَرَاجِينِ قلبي..
يُنادي على قومِهِ النائمينَ.. هنا.. تحتَ ظِلّي..
فيستيقظون على قولِهِ.. جائعينَ
ويُمسِكُ كُلٌّ بأحجارِهِ..
ثم يستأنِفونَ الأذى مِن جديدٍ..
ويَستبِقونَ لِرَجْمِي..
فأضحكُ ثانيةً..
رغمَ كُلِّ الجُروحِ التي تستبيحُ حصوني
وتَسْلُبُني كَنْزِيَ المستحيلْ
وأُمْطِرُهُمْ بالثمارِ..
-كما كنتُ دوماً-
وأَنثُرُ فوقَهُمُ الأمنياتِ..
-كما كنتُ دوماً-
لكي يأكلوا..
ويَقَرُّوا عُيوناً..
وكي يَعلَموا..
أنّ هذي الحياةَ.. بغيرِ عطاءٍ..
ظلامٌ وكهفٌ مُخيفْ
وأنّ النخيلَ سيَبْقَى نخيلاً..
ولو جاءَهُ..
كُلَّ يومٍ..
خريفْ
***