دخل إلى القسم بدون ابتسامته المعتادة ، شاحباً ، ألقى التحية بصوت متحشرج على تلامذته
و جلس في مكتبه ، لم يكتب تاريخ اليوم ولم يطّلع على التمارين المنزلية ، جلس في مكتبه واضعا رأسه بين يديه إلى ان انتهت
الحصة ، إنتظر التلاميذ إذنه بالخروج بعد أن أمضوا ساعتين من الصمت مرت كالدهر .
لم يستفق المعلم أحمد من نومه ولم يأذن لهم بالخروج و لم يستطيعوا الخروج ، فجلودهم لا تحتمل منهم ذاك العقاب القاسي الذي سيلقونه إن خرجوا بدون إذنه ! ، انتظرو ساعتين أخريين ، دهراً آخر ، ليأتي زميله المعلم سمير ليخرجهم من هذا الجحيم ، نادى على أحمد باسم دلعه و الذي يكرهه أحمد - حمودة - فقد كانت تربطهم علاقة صداقة متينة منذ ايام الجامعة قبل دخول ميدان التعليم ، ناضلا و جاهدا حتى نالا شهادة تخول لهم دخول الميدان العمَلي ، لم تفلح محاولتهما الأولى في ولوج عملٍ جيد يوافق مستواهما ، لم يفترقا أبداً و كانا يطرقان البيبانَ سوية ، و يحملان أذيال الخيبة بعد الرفض سوية ، كانا يتشاركان مجمل المشاعر ، لم يحزنا حزنا عميقا لأنهما كانا يتقاسمانه ، أما الفرح فلم يكن ثقيل الظل كما الحزن ، و كانت لحظاته قليلة في حياتهما .
أخيراً !، بعد طول انتظار، بعد كل هذا النضال ، يثمر جهدهما و اجتهادهما ، لقد تم قبول ملفهما في وزارة التربية الوطنية و التعليم ، لقد قُبل كلاهما ، يالها من صدفة جميلة !، كانا يُرفضان سوية ، و هاهما يُقبلان سوية !! كانت الفرحة عارمة لدى الصديقين بهذا النجاح .
انتهت عطلة الصيف و جاء موعد الدخول المدرسي ، أرسلت الوزارة بالمعلمين الشابين إلى قرية مجهولة ، نعم لقد تم إرسالهما إلى نفس المدرسة!، لم يُكتب لهمَا الفراقُ بعدُ ..التحقا بمكانِ العمَل و السكنِ في نفسِ الوقتِ في القِسم الذي سيعملان فيه ، سينامانِ فيه و يأكلان فيه ، قسمٌ متعدّد الخدماتِ !! و كانت المكان الذي سيمضيان فيه السنة الدراسية قرية منعزلة تماما ، لا طريق مُعبّد و لا ماء ولا كهرباء ! لا يوجد محلاتٌ كثيرة ، أقرب محلٍ تجاري ، ولو أن إسم محل تجاري أكبر منه ، يوجد على بعد 3 كيلومتراتٍ !. لم يألفا هذا الوضع ، رغم فقرهما لم يعيشا حياةً كهاته التي يعيشونها الآن ، حياةٌ بائسةٌ ، كثيراً ما كان أحمد يكرر هذه الجملة ، لقد نقصَ وزنُه ، و بدأت كل أنواع المرض تزوره موسمياً ، لقد اصبح جسده هشاً ، أبسط نسمات البرد تؤثر عليه ، سوء التغذية كان السبب الأول ، و رداءة الطقس كانت سببا آخر ، و الغربة و البعد عنِ الأحبة كان سبباً قاتلًا