إذا تأملنا واقعنا نجد الكل يشكو من الكل و نجد القلق و الضجر و التذمر و الضيق
و لمعرفة السبب لا بد من معرفة تركيبة الإنسان و مهمته و متطلباته و الغاية من وجوده
خلق الله الإنسان من و روح و قلب و عقل ونفس و جسد
و لكل منهم مهمة و غذاء خاص به فإذا حرم من هذا الغذاء شعر الإنسان بالجوع و الألم أي الضيق و القلق
و
غذاء الروح و القلب ذكر الله و معرفته و ذكر الله هو كل ما امر الله و
رسوله به , فعندما يبتعد الإنسان عن ذكر الله كثيراً سوف يشعر بالضيق و
القلق لأن روحه جاعت .
و غذاء العقل العلم و المعرفة النافعة و عندما يبتعد الانسان عن العلم و التفكر سوف يشعر بالنقص و الضعف .
و
غذاء الجسد المأكولات و المشروبات الحلال و عندما يتناول الإنسان طعام من
مصدر غير مشروع سوف يولد هذا الغذاء اضطراب في الجسم و النفس و القلب .
و غذاء النفس هو إشباع رغباتها و شهواتها و لكن باعتدال و وفق ضوابط محددة من قبل خالقها الذي هو أعلم بما هو الأصلح لها
لأن رغبات هذه النفس مثل المتوالية العددية كلما حققت لها رغبة ولدت عشرة رغبات و إذا حققت لها العشرة ولدت مائة رغبة و هكذا
إذاً فلا مجال لإشباع هذه الرغبات كلها أبداً
و من ظن أنه سوف يشبعها فسوف يظل يلهث ورائها طوال عمره و لن يصل إليها و سيعيش طوال عمره في قلق و ضجر .
و
السعي مع الصبر لتحقيق الرغبات باعتدال و عقلانية و بالطرق المشروعة و وفق
سلم أولويات و ضرورات الحياة و الإمكانات المتوفرة و السبل المتاحة
وبعدالاستعانة بالله لتحقيقها يصل المؤمن إلى ما قسم له مع السعادة و
الراحة و الطمأنينة و الأهم من ذلك رضى الله سبحانه و تعالى .
و
العجلة في تحقيق الرغبات بسلوك طرق غيرمشروعة سيصل إلى ما قسم له و لكن
على حساب سعادته و راحته و صحته و الأهم من ذلك سخط ربه سبحانه و تعالى .
و معرفة الانسان بالحقيقة والحكمة من خلق الله الناس على درجات يخلصه من الحقد و الحسد و يؤدي إلى شعور بالراحة و الطمأنينة
فالله خلق الناس على درجات غني و فقير و متوسط الدخل و رئيس و مرؤوس لحكمة بالغة و هي عمارة الكون
فإذا
كان الكل رؤساء فمن أين نأتي برعية و إذا كان الكل مدراء فمن أين نأتي
بمرؤوسين و إذا كان الكل أغنياء فمن يقوم بالنظافة و السباكة و الكهرباء و
البناء و ...............
و هذه الدرجات الدنيوية
ليست دليلاً على أفضليتهم فربما يكون عامل نظافة عند الله خير من وزير لأن
الدنيا لا تعدل عند الله جناح بعوضة .
و هي
ليست دليلا على السعادة لأن السعادة تنبع من الداخل و لا تأتي من الخارج و
من ظنها تأتي من الخارج اخطأ الطريق و سيلهث ورائها طول عمره و لن يصلها .
و
من سلبت حقوقه و طالب بها بالطرق المشروعة ولم يحصلها فلا يقلق و لا يحقد
فهي في رصيده و محفوظة له ليوم هو في أمس الحاجة لها و قد تم تحويلها من
حساب دنيوي فان إلى حساب أخروي باق .
وأحسب أنه
لو حكم سيدنا عمر رضي الله عنه في عصرنا لطعن بعض الناس في عدالته و تكلموا
في عرضه لأن التقييم يتم من خلال المصلحة الشخصية دون مراعاة مصالح
الآخرين
و تحقيق رغبات جميع الناس غاية لا تدرك و لا يقدر عليها إلا خالق الانسان ذو الرغبات الجامحة .
و
كذلك معرفة الإنسان للنعم التي ينعم بها و النظر إلى من فقدها يحقق له
القناعة و الشكر و بالتالي الراحة و الطمأنينة و منها على سبيل المثال لا
الحصر :
حرية ممارسة الشعائر الدينية و هذه من اكبر النعم و لا يعرف قيمتها إلا من فقدها
الشعور بالأمن و الأمان و هذه نعمة لا تعدلها نعمة و لا يعرف قيمتها إلا من فقدها
العيش بمأوى مناسب
العيش بكرامة دون قهر من ظالم أو طاغية
التحلي بالصحة و العافية و هكذا
و خلاصة القول
إن
الإنسان مخلوق لينعم و يسعد و يتلذذ بمعرفة الله سبحانه و تعالى , و هي
سعادة لا تعدلها سعادة , و وقود هذه المعرفة ذكر الله و التفكر, و كل ما
نهى الله عنه يعكر صفو هذه المعرفةً و يسبب قلقاً و ضجراً .
اللهم امنن علينا بصفاء المعرفة و احشرنا مع سيد العارفين و إمام المتقين صلوات الله عليه .