تعب قلبي في داخلي ,فودعني الى بيت السعادة ,ولما بلغ ذلك الحرم الذي قدسته النفس وقف حائرا ,لأنه لم ير هناك ماطالما توهمه,لم ير قوة ,و لا مالا ,لا,و لا سلطة,لم ير غير فتى الجمال و رفيقته ابنة المحبة ,و طفلتهما الحكمة.
خاطب قلبي ابنة المحبة قائلا: أين القناعة أيتها المحبة ,فقد سمعت أنها تشاطركم سكنى هذا المكان ؟
قالت : ذهبت القناعة تكرز في المدينة حيث المطامع ,فنحن لا نحتاج اليها ,السعادة لا تبتغي قناعة,انما السعادة شوق يعانقه الوصال ,و القناعة سلو يساوره النسيان ,النفس الخالدة لا تقنع ,لأنها تروم الكمال ,و الكمال هو اللانهاية .
خاطب قلبي فتى الجمال قائلا: أرني سر المرأة أيها الجمال ,و أنرني لأنك معرفة .
فقال : هي أنت أيها القلب البشري , وكيفما كنت كانت , هي أنا وأينما حللت حلت , هي كالدبن اذا لم يحرفه الجاهلون , وكالبدر اذا لم تحجبه الغيوم , و كالنسيم اذا لم تتعلق بأذياله أنفاس الفساد.
اقترب قلبي من الحكمة ابنة المحبة و الجمال و قال :
أعطيني حكمة أحملها الى البشر فأجابت قل :
""هي السعادة تبتدئ في قدس أقداس النفس ,ولا تأتي من الخارج""""
جبران خليل جبران