هل تعرف لماذا سُمي خالد بـ"سيف الله المسلول"؟ اقرأ هذه القصة لتعرف أكثـر..

بسـم الله الرحمـن الرحيـم

[ خـالد والعلــوج! ]


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجميعن، ومن تابعهم وسار على دربهم إلى يوم الدين، أما بعــد...



بعـد أن نصر الله المسلمين نصرًا مؤزرًا في معركة أجنادين، وبعد أن منّ الله عليهم بفتح دمشق، والتي حدث فيها خِلاف بين أمين هذه الأمة أبو عبيدة عامر بن الجراح -رضي الله عنه-، وبين سيف الله المسلول أبا سليمان خالد بن الوليد -رضي الله عنه- على مسألة الصُلح حيث دخلها أبو عبيدة من جهته بالصلح والأمان، بينما دخلها خالد من الجهة الأخرى بالسيف والقوة، والتقوا في المنتصف، ورفض خالد إمضاء صُلح أبو عبيدة لأنه رأى أن ذلك فيه مذلة للمسلمين وصَرف لجهودهم، حيث سيُمكن أثنان من كِبار القوم من الروم بالخروج مع أموالهم وأمتعتهم الضخمة جدًا والمليئة بالجواهر التي كان يستحقها المسلمون غنائم لهم.
وكان أبو عبيدة يرفض أن يتراجع عن صلحه لأنه قد أعطاهم كلمته وأعطاهم أمان الله وأمان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وحدثت بينهما مشاداة فأجتمع المسلمون وكثر الكلام حتى اتفقوا أخيرًا بعد تدخل الصحابة الآخرون على إنفاذ صُلح أبو عبيدة وعدم التعرض للكفار. ووافق خالد على مضض.
وكان من بنود الإتفاق مع أولئك الكفار من الروم أن الأمان يستمر لثلاثة أيام فقط ثم ينتهي ويكونوا هدفًا للمسلمين، مما جعلهم يُعجلون بالخروج مع امتعتهم وأموالهم من دمشق، وجعل ذلك المشهد بعض المسلمين يتحسرون على ذلك إذا أن أولئك القوم كانوا من الأشداء على المسلمين وقد مكنهم الله منهم ولم ينالوا عِقابهم وجزاءهم، بل ربحوا الأموال والغنائم معهم.

وكان على رأس أولئك المُتحسرين خالد ابن الوليد، الذي ظلّ يتربص مهلة الثلاثة أيام، وقدّر الله له رجلاً من المسلمين كان الروم قد أخذوا زوجته وكان شخصًا "دليلاً" عالِمًا بالطرق والمسارات في الشام، فطالب خالد أن يخرج وراء أولئك القوم بعد إنتهاء المهلة، فأستبعد خالد القوم وأستصعب الوصول إليهم، إلا أن الرجل نصحه وقادهُ إلى طريقة تمنع الروم من مقاتلته عند رؤيتهم له، وأيضًا ضمِن له أن يكون له دليلاً في الطريق، فشحذ هِمة خالد.
ولى خالد ابو عبيدة على دمشق وخرج في أربعة آلاف من جنده في أثر أولئك القوم من الروم، وكان الرجل الدليل يتبع أثرهم ويتعقبهم وجند المسلمين خلفه.

وكانت الجنود في حاميات الروم لا يتعرضون للمسلمين لمظهرهم الذي لم يكن يدل على أنهم الجُند الذي مرّغوا أنوفهم في اجنادين ودمشق وغيرها من بلدان الشام، حيث لبس المسلمين ثياباً رثة وبالية وظهر كأنهم بدوًا من أهل الشام، وهكذا صرفوا أنظار الروم، واستغلوا الوقت للحاق بالمطلوبين.

كانت وجهة المسلمين إلى أنطاكية معقل الروم في الشام ومقر ملك الروم فيها "هرقل" حيث كان أثر قوم الروم المطلوبين يُشير إلى هناك، وعندما أقتربوا من أنطاكية طلب الرجل الدليل من المسلمين أن ينتظروا ليرى الأخبار في المدينة، ورجع إليهم بخبرٍ مفاجئ، أن أولئك المطلوبين قد طردهم هرقل ومنعهم من دخول أنطاكية حتى لا يلتقوا بالجنود في المدينة ويُخبروهم بقوة وشدة المسلمين الذي هزموا الروم في أجنادين ودمشق مما قد يُثبط عزيمة جنود الروم. وأرسلهم الملك إلى القسطنطينية مركز الصليبيين في الشرق. وهذا خبرٌ سلبي للمسلمين حيث القسطنطينية بعيدةٌ عنهم وصعبة المنال. فماذا يفعلوا الآن وهم قد وصلوا إلى هنا؟ هل يرجعوا بدون مطلبهم؟ أما يقدموا وتكون نسبة هلاكهم كبيرة؟

أدع لكم الحِوار بين خالد قائد الجُند وبين الدليل وبين أفراد جيشه:
الدليل: ‏ أن الملك منعهم من الدخول إلى أنطاكية لئلا يُرعِبوا عسكره وأمرهم أن يطلبوا القسطنطينية، وقد قطع بينكم وبينهم هذا الجبل العظيم وأنتم في جبل هرقل وهو يجمع عسكره ويسير إلى حربكم وإني خائف عليكم إن تركتم هذا الجبل خلف ظهوركم هلكتم. وبعد هذا فالأمر إليك وكل ما أمرتني به فعلت‏.‏
كان هناك الصحابي ضِرار بن الأزور رضي الله عنه، نقل لنا موقف خالد عندما سمِع ذلك الخبر، فقـال‏:‏ فرأيت خالدًا وقد انتقع لونه كالخضاب‏، وكان ذلك منه جزعًا وما عهدت به ذلك‏.‏
وسأل ضِرار خالد، وقال له: يا أمير على ماذا عولت‏.؟
خالد: ‏‏ يا ضرار والله ما فزعت عن الموت ولا من القتل، وإنما خفت أن يؤتى المسلمون من قبلي وإني رأيت قبل فتح دمشق منامًا أفزعني وأنا منتظر تأويله وأرجو أن يجعل الله لنا خيرًا وينصرنا على عدونا‏.‏
ضرار‏:‏ خيرًا رأيت وخيرًا يكون إن شاء الله تعالى فما الذي رأيت‏؟
الرؤية طويلة، وبإختصار: أن خالد وهو يسير بجيشه يُلاقي قطيع من الحمير الوحشية القوية والمتينة ويقاتلها المسلمين ولا تتأذى، حتى تعب المسلمون وتعبت خيلهم، ثم قُسِم الجيس إلى أربع جوانب ونال المسلمين من بعض الحمير وأخذوها للشِواء والأكل فهجم عليهم البقية من الحمير، فأمر خالد الجيش بالهجوم عليهم والتكبير فهجموا وهزموها وطاردوها وصادوا منها صيدًا كبيرًا، وإذ هم راجعون لمواقعهم يعثر فرس خالد وتسقط عمامته من على رأسه.

قال ضرار بعد إيراد خالد للرؤية: فصعب ذلك على القوم وجعل خالد يراود نفسه على الرجوع‏.‏
فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه‏:‏ أما تفسير الوحوش فهؤلاء الأعاجم الذين نحن في طلبهم وأما سقوطك عن فرسك فإنه أمر تنحط عليه من رفعة إلى خفضة وأما سقوط العمامة عن رأسك فالعمائم تيجان العرب وهي معرّةٌ تلحقك‏.‏
خالد: ‏ أسأل الله العظيم إن كان ذلك تأويل ما رأيته أن يجعله من أمر الدنيا ولا يجعله من أمر الآخرة وبالله أستعين وعليه أتوكل في كل الأمور‏.‏

وسار المسلمين يطلبون جيش الروم خلف الجبل، وهم في الطريق هبط عليهم مطرٌ غزيرٌ مما اضطر جيش خالد وجيش الروم للوقوف والإستراحة، وفي الصباح سار جيش المسلمين باكرًا ولما اقتربوا منهم طلب الرجل الدليل الإذن من خالد ليتحقق من جيش الروم.
قال يونس-الدليل- ‏:‏ أيها الأمير قف حتى أنظر القوم، لأنهم لا شك بالقرب منا وقد سمعت صياحهم‏.‏
خالد بن الوليد‏:‏ أحقًا سمعت صياحهم يا يونس‏؟
يونس الدليل:‏ نعم أيها الأمير وأريد منك أن تأذن لي بالمسير إليهم وآتيك بخبرهم‏.‏
أرسل خالد معه رجل آخر ليؤنسه.
فلما علوا على الجبل وجدوا مرجًا واسعًا كثير الجنبات كثير النبات وفيه خضرة عظيمة وإن قوم الروم قد أصابهم المطر حتى بلَّ رِحالهم وقد حميت عليهم الشمس فخافوا إتلافها فأخرجوها وأخرجوا الديباج ونشروها في طول المرج وقد نام أكثرهم من شدة السير والتعب والمطر الذي أصابهم‏.‏
فلما رأى المؤنس ذلك فرح فرحًا شديدًا ورجع إلى خالد بن الوليد وترك صاحبه الدليل يونس فلما رآه خالد وحده أسرع إليه وظن أن صاحبه كِيد‏.‏
خالد:‏ ما وراءك يا ابن جعدة -المؤنس- أخبرني وعجل بالخبر‏.‏
المؤنس:‏ الخير والغنيمة يا أمير وإن القوم خلف هذا الجبل وقد أصابهم المطر وقد وجدوا الراحة بطلوع الشمس وقد نشروا أمتعتهم‏.‏
خالد:‏ بشرك الله بالخير ثم ظهر لي من وجهه الخير والفرح والسرور.
فبينما هم كذلك وإذا بيونس الدليل قد أقبل‏.‏
خالد‏:‏ خيرًا؟
الدليل‏:‏ أبشر أيها الأمير فإن القوم أمنوا على أنفسهم ولكن أوصِ أصحابك أن كل من وقع بزوجتي فليحفظها فما أريد من الغنيمة سواها‏.‏
خالد‏:‏ هي لك إن شاء الله تعالى.
ثم إن خالدًا قسّم أصحابه أربع فرق فأمر ضرار بن الأزور على ألف فارس، وعلى الألف الثاني رافع بن عميرة الطائي، وعلى الألف الثالث عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، وبقي هو في الفرقة الرابعة‏.‏
خالد:‏ سيروا على بركة الله تعالى وإياكم أن تخرجوا إليهم دفعة واحدة بل يخرج كل أمير منكم بينه وبين صاحبه قدر ساعة.
ثم افترق القوم وحمل ضرار بن الأزور والروم مطمئنون ثم تبِعه رافع بن عميرة الطائي ثم عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ثم خالد بن الوليد سار في آخر القوم حتى وصلوا المرج‏.‏
وكاد الجنود أن يُفتنوا بالمرج الأخضر لما فيه من الخضارِ والجمال الطبيعي الآخذ، فزعق فيهم خالد.
خالد: عليكم بأعداء الله ولا تشتغلوا بالغنائم ولا بالنظر إلى المرج فإنها لكم إن شاء الله تعالى‏.‏

ثم عطف خالد بن الوليد رضي الله عنه على الروم وقد نظرت الروم إلى الخيل وقد خرجت عليهم، وخالد أمامهم فعلِّموا أنها خيول المسلمين فبادروا إلى السلاح وركبوا الخيل. وأستهان الروم بالفرقة الأولى للمسلمين حيث ظنّوا أنهم هم الجيش فقط.
الروم لبعضهم البعض‏:‏ إنها خيل قليلة ساقها المسيح إليكم وجعلها غنيمة لكم فبادروا إليها‏.‏
هجم الروم على فرقة خالد الأولى وإذا بضرار يدخل للمعركة بفرقته الثانية، ويدخل بعده رافع بن عميرة بالفرقة الثالثة وتبعهم عبدالرحمن بن أبي بكر بالفرقة الرابعة، وأخذت كل فرقة تعمل القتل في الروم وهم يرفعون أصواتهم: لا إله إلا الله محمد رسول الله.
وكان المطلوبين هم: "هربيس" و "توما" من كِبار الروم وكانوا قد أصبحوا في ذلك الجيش.
هربيس ينادي جنده: قاتلوا عن نعمكم فما لهؤلاء القوم حيلة ولا يخلصون من هذا المكان أبدًا.
فانقسمت الروم طائفة مع "هربيس" وطائفة مع "توما"، ووافقت فرقة خالد الفرقة التي يقودها "توما"، وكان "توما" قد ألتف حوله خمسمائة فارس وقد رفع بين عينيه صليبًا من الجوهر مقمعًا بالذهب الأحمر.
خالد لـ"توما": يا عدو الله أظننتم أنكم تفلتون منا والله تعالى يطوي لنا البلاد.
وكان "توما" قد أصابتهُ أم أبان زوجة سعيد بن العاص -رضي الله عنه- في إحدى عينيه في معركة دمشق وأُصيب بالعمى، فحمل عليه خالد وطعنه في عينه الأخرى ففقأها، وأرداهُ عن جواده وحمل أصحاب خالد على رجال "توما"، ولمّا رأى عبدالرحمن بن أبي بكر الصديق أن "توما" قد سقط من على جوادهِ نزل وجلس على صدره واحتز رأسه -قطعها- ورفعها على سيفه ونادى: قد قُتِل والله "توما" اللعين فاطلبوا "هربيس"‏.

تحققت إحدى مطالب جيش المسلمين بسقوط أحد المطلوبين "توما"، فما موقف خالد من ذلك يا تُرى؟
لم يستطع أن يظفر بقتل توما، فهل سيترك "هربيس" لغيره أيضًا؟ ليس ذلك خالد إن تركه لغيره.
وسخنت دماء خالد أكثر وأكثر ليظفر بدم المطلوب الآخر قبل أن يظفر به غيره من المسلمين.
فأصبح ينظر في الروم، أيهم صاحب هيبة ومظهر ظاهر وضخم، يقصد بذلك "هربيس" بما أنه كان من عِلية القوم.
وبينما خالد يتفحص الروم بعينه، ويرسلهم للجحيم بيديه وسيفه ورمحه وما وقعت عليه يديه، تفرق جيش الروم وانهزموا، وفرح المسلمون بذلك، فلم يعد أمامهم إلا الغنائم فقط، أما الروم فقد انهزموا، فراحوا يُهنئون بعضهم البعض، وبينما هم كذلك انتبهوا أن اميرهم خالد ليس موجود بينهم!!!
أين ذهب خالد من الجيش؟ هل قُتِل؟ هل أُصيب؟ هل أُسِر؟
لا، ليس خالد الذي يُقتل أو يُصاب أو يؤسر على يد أُغيلمة الروم، بل كان خالد غائصًا في جند الروم في جهة أخرى يذبح ويفعل الأفاعيل فيهم. ينطلق من اليمين إلى الشمال إلى المقدمة ثم إلى المؤخرة في جيش الروم، ويتفحصهم بعينيه كالصقر طلبًا لـ"هربيس".
وإذا به يرى عِلجًا من علوج الرومان عظيم الخلقة أحمر اللون فظنّ خالد أنه اللعين "هربيس"، فقصده خالد وأطلق خيلهُ يطلبهُ طلبًا شديدًا، فلما رأى ذلك العِلج أن ذلك الفارس الذي فعل الأفاعيل بقومه يطلبه، فرّ هاربًا ، ولكن من اين له أن يذهب من سيف الله؟
رماه خالد برمحٍ وإذا هو واقع على الأرض على أمِ رأسهِ، فنقض عليه خالد كالأسد ونزل عليه وهو يظنه "هربيس"، وكان ذلك العِلج يعرف العربية.
‏خالد:‏ ويلك يا "هربيس" أظننت أنك تفوتني.
العِلج:‏ يا عربي ما أنا هربيس فأبق علي ولا تقتلني‏.‏
خالد‏:‏ ما لك من يدي خلاص إلا إذا كنت تدلني على هربيس‏.، فإذا دللتني عليه أطلقتك‏.‏
العلج‏:‏ إذا دللتك عليه تطلقني؟
خالد‏:‏ نعم، لك ذلك‏.‏
العلج‏:‏ يا أخا العرب قم من على صدري حتى أدلك عليه.
قام خالد من على صدره فوثب العلج ونظر يمينًا وشمالًا‏.‏
العِلج:‏ أترى هذا الجبل وهذه الخيل الصاعدة اقصدها فإن هربيس فيها‏.‏
طبعًا "هربيس" لما سِمع مقتل صاحبه "توما" أخذ بالفِرار، ولجأ إلى الجبل.

لم ينتهي العِلج من كلامه حتى أطلق خالد عنان جواده حتى لحق بهم وصرخ عليهم.
خالد:‏ يا ويلكم أنّى لكم مني خلاص‏؟‏
فلما سمع هربيس ذلك ظنه من بعض العرب فزعق فيه وتوعده ورجع ورجع الجند معه بالسلاح‏.‏
خالد‏:‏ يا ويلكم ظننتم أن الله لا يمكننا منكم أنا الفارس الصنديد، أنا خالد بن الوليد‏.‏
ثم طعن فارسًا فرماه وآخر فأرداه‏، تساءل الجُند: أهذا أحد العرب فقط؟ وقتل اثنين من فرساننا البطارقة؟
فلما سمع هربيس كلام خالد قال لأصحابه‏:‏ يا ويلكم هذا الذي قلب الشام على أصحابه، هذا صاحب بصرى وحوران ودمشق وأجنادين، دونكم وإياه.
فطمع القوم فيه لإنفراده عن أصحابه وكان المسلمون في قتال الروم ونهب الأموال وكل منهم مشتغل بنفسه‏، وهو بعيدٌ عنهم لوحدهِ مقابل بطارقة الروم بقيادة "هربيس"!.
فترجلت البطارقة حول خالد لأنهم في جبل كثير الوعر وأحاطوا بخالد بن الوليد، فلما رآهم خالد قد استعدوا له، وكأنه يهزأ بهم كإستهزاء الأسد إذ يطوقه قطيع الغنم! ترجل عن جواده وأخذ سيفه وجحفته وصبر لقتالهم‏.‏
وأقبل يقاتل بنفسه ويُردي العِلج بعد العِلج، وإذا هو كذلك أقبل إليه "هربيس" وخالد منشغلٌ بالقتال وأتاهُ من ورائه، وصوب خالدًا بالسيف فوقع السيف على البيضة فقدّها وقدّ عِمامته، وانقض السيف من يد "هربيس"، وخاف خالد أن يلتفت إلى وراءه، فالجند العلوج يحيطون به، و "هربيس" خارج تلك الدائرة، فخاف خالد أكثر من أن يفلت "هربيس" من بين يديه، فماذا يفعل خالد ليتخلص من ملاحقة وملاحظة العلوج له للحظة؟ بحيث يصل فيها إلى "هربيس" اللعين، فلقد حدد الأسد فريسته ولا يُريد غيرها، ولن يكتفي ببعض الوجبات السريعة!
جاءتُ له فكرة، وهجم عليه العلوج، وإذا به يصيح بأعلى صوته بالتهليل والتكبير والصلاة على البشير النذير، وكأنه رأى شيئًا لم يروه، أو أنه يستبشر بشيء قد جاء من الأفق البعيد كدعمٍ أو مددٍ، فوجِل العلوج ووقفوا ينظرون حولهم أين المدد؟! وما علِموا أن تلك خديعة من خالد ليلفت أنظارهم ويتمكن منهم.
ولما صرفوا نظرهم، همّ خالد بأخذهم بسيفه، وإذا هم كذلك إذا يسمع خالد صوتًا عربيًا يُكبر!!!
واقترب ذلك الصوت وإذا به -الصوت- يُكبر ويُهلل ويقول: ‏ لا إله إلا الله محمد رسول الله، أتاك النصر من رب العالمين أنا عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق‏.‏
يا اللـــه، هذه لم يتوقعها العلوج! فقد رأوا أن الغنائم ممتلئة بها الساحة، فظنوا ان الغنائم ستصرف المسلمين عن عون قائدهم وأميرهم. ولكن أنّى لهم بذلك، فهم يُقابلون صِنف من البشر تلقوا تربية خاصة على يد محمد بن عبدالله الهاشمي صلى الله عليه وآله وسلم.

ذلك كان موقف الروم، الدهشة! فما موقف خالد؟
لم يلتفت خالد إلى عبدالرحمن ابن أبي بكر، ولم ينتظره وكأنه لم يأتي أصلاً، فكما قلنا أن الأسد قد حدد فريسته مسبقًا، فهجم ولم ينتظر وصول عبدالرحمن ولا من معه، ومضى يفرق الأعلاج ذات اليمين وذات الشمال، يُرسلهم إلى الجحيم بالبريد العاجل.
وما أن سمع اللعين "هربيس" أصوات المسلمين أراد الهرب، فرأه خالد وهو يفرّ، فلحقه سيف الله وضربه ضربة فأرداه قتيلًا صريعًا، وحمل المسلمين على الروم حملة رجلٍ واحدٍ وأبادوا من كانوا حول خالد، والتقــى القائد بجنــده، وكأنه ينظر إلى عبدالرحمن ويقول له مُبتسمًا: أنتَ ظفرت بـ"توما" وأنا ظفرت بـ"هربيس".

ولما هدأ الأمر قليلاً، سلّم الجند على أميرهم، ووجه خالد نظره إلى عبدالرحمن وسلّم عليه.
‏خالد:‏ من أين علمتم مكاني هذا؟
عبد الرحمن‏:‏ يا أمير! بينما نحن في قتال الروم وقد نصرنا الله عليهم والمسلمون قد اشتغلوا بالغنائم، إذا سمعنا هاتفًا من الهواء يقول‏:‏ "اشتغلتم بالغنائم وخالد قد أحاطت به الروم"، فلما سمعنا ذلك لم ندر أي مكان أنت ليه وفقدنا شخصك فدلنا عليك علج كان بيد رجل من أصحابك وقال‏:‏ إن صاحبكم أنا الذي دللته على هربيس وإنه معه في هذا الجبل فسرنا إليك‏.‏
والعلج المقصود هو صاحب الجسم الكبير الذي ظنّه خالد أنه "هربيس".

ورجع المسلمين بغنائم لا حصر لها من الأموال والمعدات العسكرية والجواهر وغيرها، وفرح المسلمين بذلك فرحًا عظيمًا.

فهل عرفت لما خالد هو "سيف الله المسلول"؟


القصة نقلتُها وفرّغتُها من كتاب "فتوح الشام" للواقدي، وسِقتُها في اسلوب -مع إضافات- مُغاير لأسلوب الكتاب.

وفيكما بارك الرحمان
دوما يسعدني مروركما الطيب اختي سمر واختي الصغيرة خولة
الف شكر تحياتي لكما

وفيكم بارك الله اخواتي الحرية امونة امينة شلال
يسعدني دوما مروركم الطيب
امنكم الله