تعالوا فهنا يتقدم زهر الحنون، يرشق في سماء غزة نجمتين، وحين تدوس عليه جنازير الدبابات الوحشية يميل ثم يعود منتصباً فيصنع منه العاشقون والحالمون إكليل النصر في عرس الشهادة والحق. تزهر أرض غزة مرتين وحين يفيض منها نهر الدم المسفوح تزهر ألف مرة. يا أشجار غزة اسرعي بمنح أبناءك ثمار اللوز والبرتقال والرمان، زيني موائدهم لحفل النور القادم مع قمر لا يبهج إلا في غزة، وللأشقاء نوفيهم دين الأطفال من بنيك القابضين على الريحان ملوحين بها في وجه الحقد الأسود.
تعالوا واستنشقوا معنا رائحة الموت، واغمدوا أقلامكم في قلوب الرجال التي تنزف، واكتبوا بالدم المراق على جوانب أجسادنا الممزقة سفر الوفاء لوطن لا زال ينتظر قدوم الرجال . زينوا كلماتكم بحسرة الأمهات وشوق الجرح النازف لقطرة ماء أو دواء، واكتبوا أن غزة لا تستقيل، وهي الآن تعطي البشارة وتصنع المستحيل. اكتبوا أنها لا زالت تقاتل بأشلاء الرجال ودم الأطفال غاصباً لا يعرف الرحمة، وتطرد من كرومها الغناء كل دخيل. ومن سعف نخيلها وشجر الزيتون تصنع مصدات الرياح العاتية تهب عليها من كل اتجاه فيظل القنديل مضاءً لسماء العرب المشتاقة لقمر غزة يدخل فوق عواصمهم. اكتبوا أن غزة تحب الحرية وتصنعها حناءً لعرائسها في يوم اللقاء، واكتبوا أن غزة تعشق الكبرياء، تزنر به خاصرة الرجال كما النساء وتريده لكل الأشقاء ثوباً قشيباً كأرض غزة وهي تعطي جمالها الدافيء لكل الصادحين مع نغمات الصبح المشرق في كل مكان. لغزة وجه البراءة وقلب الأسد، لغزة وهج الشمس ونور الحقيقة، لغزة خشونة المنشار حين تقاتل ونعومة الحرير يوم تسالم وتهادن.
في غزة يعض الرجال على النواجذ بأسنان كالحديد، يخوضون بحر الموت بدون رعشة خوف أو وجل، يتقدمون كالإعصار وعلى الأكف أرواحهم تطرد اليأس من نفوسنا والانكسار. هناك وعلى رمال سوافيها الجميلة يخط الربيع ملحمة العشق وتسمع مع حفيف أشجارها ترانيم البطولة تكسر اليأس وتعطي بلاد العروبة مناعة الخوف والانكسار، ستعطيكم غزة أسماء شوارعها وحواريها وأسماء التلال والهضاب فاحفظوها عن ظهر قلب. لن تبكينا شوارعنا وإن فعلت فلا تلام لأنها تعشق أولادها وتخاف عليهم ولها قلب رقيق. غزة تعدكم بالصبر وبكتم الغيظ كما بالنصر. لن تسمعوا من أمهات غزة بل من كل نسائها كلمة آه، ولن تصرخ وا معتصماه. ستحضن فارسها القادم من أحشاء قطاع غزة، ولن تنتظر سلاطين التطبيع ولا التجار. سجلوا أن غزة قد أزهرت قبل الربيع، وأطلقت في سماء الشرق غيوم الشتاء وواعدت الأمطار، واكتبوا أن غزة حيث تريد تصنع الانتصار، وأن غداً سيكون الانتصار.