عوامل استقرار العلاقات في الأسرة
إذا كانت العلاقات في الأسرة مبنية على أسس سليمة ويعيش أفرادها في جو من الاستقرار والوئام ،
فإنها ستكون مدرسة تخرج العظماء من الرجال ،
وهناك عوامل تعتبر أساسية لبناء العلاقات في الأسرة ،
خاصة بين الزوجين وهي ركائز أساسية نستشف من خلالها الوسائل والأساليب للبناء الأفضل في العلاقات ،
وبها يستطيع الزوجان تفادي المشاكل التي قد تحصل بينهما .
الأخلاق بين الزوجين تشكّل الأخلاق حجر الزاوية في إدامة التماسك والألفة بين أفراد الاُسرة
كمجتمع صغير وبينها وبين المجتمع الكبير ، ومن هنا جاء في موعظة
النبي صلى الله عليه وآله وسلم للإمام علي عليه السلام :
« ... يا عليّ ، أحسن خُلقك مع أهلك وجيرانك ومن تعاشر وتصاحبُ من الناس ،
تُكتب عند الله في الدّرجات العُلى . »
وفي جهة اُخرى فان سوء الخلق يغرس في محيط العائلة بذور الخلاف ،
وينتج النفرة من البيت ، ويولّد الملل للأهل ، يقول أمير المؤمنين عليه السلام :
« سوء الخلق يوحش القريب ويُنفر البعيد »
ويقول أيضاً في خطبته المعروفة بـ « الوسيلة » : « ومن ضاق خُلقه ملّه أهله » .
والملاحظ في ضوء النصوص الدينية أنها تركز على أربع خصال أخلاقية لها مدخلية كبرى في توثيق وإدامة الحياة الزوجية .
شخصية القائـــد
إذا أردت أن تعرف العلاقات داخل الأسرة فانظر إلى رب الأسرة ، ما هي علاقته بزوجته ؟
وما مدى قوة شخصيته ؟ وكيف يتعامل مع أفراد أسرته ؟ .
يقول الله سبحانه وتعالى : « الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم » .
كل سفينة بحاجة إلى ربان ، وربان سفينة الأسرة هو الزوج ، فيجب أن يعطي أحقية القيادة ،
ويجب أن يكون ذو شخصية قوية قادراً على ادارة شؤون الأسرة ،
وعلاقاته بكل أفراد الأسرة متينة وقوية ، وتكون كلمته مسموعة ،
أما إذا كان الأب ضعيف الشخصية بلا ارادة فلا تتوحد الآراء ولا الحلول ،
ومن ثم تتشابك الأيدي لفرض الرأي الأقوى ، وتنتهي العلاقات بانفصال بين الزوج والزوجة .
فما أكثر ما قرأنا وسمعنا أن الزوجة تطلب الطلاق وعذرها أن الزوج ليس له شخصية في الأسرة .
التفـاهـــم والمشاركـــة
كل أسرة معرضة أن تجابه المشاكل والصعاب سواءا على صعيد العلاقة بين الزوجين
أو على صعيد علاقة الأسرة بالمحيط الخارجي ، ومن المشاكل التي ارتفع معدلها بين الزوجين
هو وجود الفروقات والتباين ( الشكلي ) بينهما ، والاسلام دعا إلى نبذ هذه الفروقات السطحية
والفهم الواعي والمسؤول لكل منهما الآخر
« ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب
مما اكتسبن واسألوا الله من فضله ان الله بكل شيء عليم » .
قال الامام الصادق :
« إن المرء يحتاج في منزله وعياله إلى ثلاث خلال يتكلفها وان لم يكن في طبعه ذلك معاشرة جميلة ، وسعة بتقدير ، وغيرة بتحصن » .
فاذا عاش كل منهما ظروف الآخر وتفاعل مع حالته النفسية أمكن له أن يتعامل معه
على أساس من التقدير لتلك الظروف ، والتباين والفرق الشخصي ،
ولو عرف أن هناك حياة مرتبطة بحياة لها ظروف تختلف عن ظروف حياته ،
وأن هذا الانسان يعيش معه أجواءاً فكرية وعاطفية لا تتفق بالضرورة مع الأجواء الفكرية
والعاطفية التي كونت شخصيته ، فان ذلك يجسد التفاهم على أحسن صورة ،
ويبعدهما عن الانانيات الذاتية التي تحطم العلاقة الزوجية
عندما يحاول أحدهما استغلال الفروقات كوسيلة للقمع والضغط .
ثم إن الحياة الزوجية مد وجزر من سعادة وشقاء وفرحة ورخاء ونشوة ورخاء وتعب وراحة ،
والزوجين يشاركان بعضهما البعض في تحمل أعباء الحياة عن رضى النفس ورغبة ،
ولا يمكن أن يقال للمساعدة التي يقدمها أحد منهما للآخر بالمنة والترفع ،
لأن هذه المساعدة تحطم العلاقات الزوجية ولا تبنيها .
استيقظ احد العلماء يوم من الأيام ، فوجد زوجته كانت ولا تزال راقدة على الفراش ،
وقد أصيبت بمرض البرص في كل جسمها فتصور حالة الزوجة حين تكتشف
بعد لحظات أن جمالها قد انتهى ، ولكي لا يحول البيت الزوجي إلى جحيم لا يجرح قلب زوجته ،
أدعى قبل أن تكتشف الزوجة ما أصابها أنه أصيب بالعمى ، وحينما اكتشفت الزوجة
ما أصيبت به خلال الليل أخفت ذلك عن زوجها اعتقاداً منها أنه قد أصيب بالعمى ،
وهكذا عاش الزوجان في سعادة وصفاء ، بفعل اغماض الزوج ـ بهذه الطريقة ـ عما أصاب زوجته .
فاذا قام الزوج بمساعدة الزوجة في عمل ما يجب ألا يمن عليها في هذه الخدمة ،
أو أن الزوجة تحاول أن تعكر صفو وهدوء الأسرة بالمنة الدائمة ،
وكذلك عندما يحدث خلاف بسيط بينهما فلا يحاول كل منهما
تقديم التنازلات المتبادلة من قبل الطرفين حتى يصفى الجو بينهما .
قال امير المؤمنين : « جهاد المرأة أن تصبر على ما ترى من أذى زوجها وغيرته » .
وعن الامام الكاظم : « جهاد المرأة حسن التبعل » .
الرفق واللين في المعاملة
قال صلى الله عليه وسلم : « الرفق نصف المعيشة » .
من الحديث السابق نرى أن الاسلام يدعو للرفق وحسن المعاملة .
يقول الرسول عليه الصلاة و السلام :
« ألا أخبركم بشر نسائكم قالوا : بلى يا رسول الله . قال : من شر نسائكم الذليلة في أهلها العزيزة في بعلها » .
وعن أمير المؤمنين أنه قال :
« لكل دين خلق وخلق الايمان الرفق ».
فالمعاملة الشديدة العنيفة والحدة في التصرفات من طرف الزوج أو الزوجة يسبب فساد العلاقة بينهما .
قال الامام زين العابدين :
« وأما حق الزوجة فان تعلم أن الله عز وجل جعلها لك سكنا وأنسا فتعلم أن ذلك نعمة من الله
عليك فتكرمها وترفق بها ، وان كان حقك عليها أوجب فان لها عليك أن ترحمها » . الكلمـــة الطيبـــة
« ولا تنابزوا بالألقاب » كانت دائماً وسيلة لتهذيب النفس وتذويب الفوارق والبغضاء ،
والمسلم لا يتنابز بالألقاب ، فالسب والشتم واللسان البذيء أمور غير مقبولة من المسلم أينما كان ،
فكيف به وهو بذيء الكلام مع زوجته وأسرته ، فهي من أسوأ الصفات ،
لقد فصل أحد القضاة في أربعين ألف قضية خلاف زوجي ،
وبعدها قال هذه الجملة ( إنك لتجد التوافه ـ دائما ـ في قرارة كل شقاء زوجي ) فاغفال الزوجة لعبارة ( مع السلامة )
مثلاً تقولها لزوجها وهي تلوح بيديها أثناء انصرافه إلى عمله في الصباح ،
أمر تافه ، ولكنه كثيرا ما يؤدي إلى الطلاق .
ولقد دعانا النبي عليه الصلاة و السلام : لاستعمال الكلمة الطيبة في علاقاتنا داخل الأسرة ،
وقال صلى الله عليه وسلم :
« خير الرجال من أمتي الذين لا يطاولون على أهليهم ويحنون عليهم ولا يظلمونهم »
قال عليه أفضل الصلاة و السلام : « إن الرفق لم يوضع على شيء الا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه » .
المـودة و الرحمــة كي لا يتحول الزواج إلى علاقة مادية بحتة يؤكد الله بالآية الكريمة على السكن « لتسكنوا اليها »
والمودة والرحمة كطابع يطبع الحياة الزوجية في مفهوم الاسلام
« وجعل بينكم مودة ورحمة » حيث تنطلق العلاقة من مبدأ انساني رحب يشعر
فيه كل طرف أنه مشدود إلى الآخر برباط المودة والرحمة .
قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم : أحب أن يرحمني ربي .
قال : « ارحم نفسك ، وارحم خلق الله يرحمك الله » .
إن الحب المتبادل هو أساس التعامل في الحياة الأسرية ،
وهذا الحب المتبادل تقوية لرباط الزوجية وتدعيم لكيان الأسرة ،
لأنه يبعد الزوجين عن الكراهية وحب النفس وسوء الظن والغيرة المفرطة .
المعـــاملة الحســـنة
العلاقات في الأسرة بين الزوجين قامت لكي تستمر مدى الحياة ،
فهي ليست علاقة مؤقتة ليوم أو يومين ، بل انه اتصال مدى العمر،
وفي مسيرة الحياة الصعبة يحتاج الانسان إلى رفيق حياة يؤنسه ، ويسكن اليه ، ويشترك معه ،
ويؤازره في مصائبه ، ولاستمرار هذه العلاقات يجب أن تكون المعاملة بين الطرفين بالحسنى ،
ووفق الأخلاق الاسلامية الحميدة يقول الله سبحانه وتعالى :
« ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون » .
قال علي رضي الله عنه :
« بحسن العشرة تدوم الوصلة » .
« بحسن العشرة تدوم المودة » .
« بحسن العشرة تستديم المودة » .
« بحسن العشرة تأنس الرفاق » .
معرفــة الحقــوق والواجبـــات
إن التمسك بالحقوق والواجبات يجلب الخير لأفراد الأسرة ،
فبالحقوق والواجبات يعرف كل من الزوج والزوجة مسؤوليتهما تجاه الآخر ،
وبهذه الحقوق يستتب النظام داخل الأسرة ، فلا يحق لأحد أن يتصرف حسب أهوائه
ويغرق الأسرة في بحر من المزاجية ، حيث ان اتباع الحقوق يساعد على الاستقرار والامان داخل الاسرة .
وتتضح معالم التعامل ضمن اطار من الواجبات والحقوق ،
وأخيراً يساعد على إيجاد العدالة في الأسرة ، فكل فرد يعلم حدوده ويحاول ألا يتجاوز هذه الحدود .